الجمعة، 13 نوفمبر 2015

الهلال و الليل

هوة ذلك الذى هذا هو السؤال الذي أصبح معياراً لبعض الفقهاء لمعرفة صحة بداية الشهر القمري من عدمه، فإذا ما علم الفقيه أن تولد الهلال قد حدث قبل غروب الشمس، اعتبر اليوم التالي هو أول الشهر الجديد بغض النظر عن رؤية الهلال! وحجته بذلك أن الحسابات الفلكية أصبحت دقيقة في وقتنا الحاضر. ولما كانت قادرة على حساب موعد تولد الهلال بدقة، فإنه من الأحرى الاعتماد على هذه الحسابات الفلكية وإهمال رؤية الهلال. ولكن هل يعلم هذا الفقيه المعنى الحقيقي لمصطلح ( تولد الهلال )؟ على الأغلب فإن الجواب هو: لا!

فبعض الناس يستخدم مصطلح تولد الهلال في غير موضعه، حتى اعتقد عامة الناس وبعض الفقهاء أن معنى تولد الهلال هو بداية ظهور الهلال، إلا أن هذا الاعتقاد غير صحيح إطلاقاً، فللقمر أطوار ( أوجه ) هي المحاق والهلال والتربيع والأحدب والبدر، فتارة نرى جميع قرص القمر مضيئاً، وعندها نقول إن القمر في طور البدر، وتارة نرى أن نصفه مضيء فنقول إن القمر في طور التربيع الأول ( بداية الشهر ) أو التربيع الثاني ( نهاية الشهر )، وتارة نرى القمر على شكل قوس جميل فنطلق عليه اسم الهلال، والمرحلة التي بين التربيع والبدر يسمى القمر فيها أحدب. أما الطور الذي لا يمكننا رؤيته فيسمى طور المحاق، وهو عكس البدر، فعندها تكون نسبة إضاءة القمر تساوي صفراً٪ تقريباً، ولا يمكننا رؤية القمر وهو في طور المحاق إلا وقت كسوف الشمس، فحينئذ نلاحظ أن هناك شيئاً أسود قد حجب الشمس. إن هذا الشيء الأسود هو القمر، وقد وقع بين الأرض والشمس، ولذلك حجب عنا ضوء الشمس.

جرم مظلم:

نحن نرى القمر بأطوار مختلفة لأن القمر جرم سماوي مظلم لا يشع بذاته بل يستمد ضياءه من الشمس. ولما كان القمر كرة، فإن الشمس دائماً تضيء نصف القمر، في حين يكون النصف الآخر مظلماً. ويعتمد طور القمر الذي نراه من الأرض على موقع نصف القمر المضيء بالنسبة للأرض، فعندما يقع القمر أثناء دورانه حول الأرض بين الشمس والأرض، فإن الشمس تضيء وجه القمر المواجه لها، أما نصف القمر المواجه للأرض فإنه يبدو مظلماً تماماً، وعندها نقول إن القمر الآن في طور المحاق، وهو ما يسمى أيضاً بالاقتران أو الاستسرار، وهو نفسه ما يطلق عليه البعض مصطلح ( تولد الهلال ).

إلا أن الكثير من الناس يظنون أن تولد الهلال معناه بداية ظهور الهلال، أو أنه انتقال القمر من طور المحاق إلى طور الهلال، إلا أنه في الحقيقة ذروة طور المحاق! والسؤال الذي نطرحه نحن كفلكيين على الفقهاء: هل المعتبر في تحديد الشهر القمري هو طور المحاق أم طور الهلال؟ بالطبع فإن جواب الفقهاء هو أن المعول عليه لتحديد المواقيت وبدايات الأشهر القمرية هو الهلال وليس المحاق ( الاقتران أو تولد الهلال أو الاستسرار ).

مصطلح خاطئ: 

لماذا أقر بعض الفقهاء بصحة بداية الشهر الهجري إذا حدث تولد الهلال قبل غروب الشمس؟

يبدأ اليوم المستخدم في حياتنا اليومية في الساعة 12 ليلاً، أما اليوم القمري فإنه يبدأ من لحظة غروب الشمس، واعتقاداً من بعض الفقهاء أن معنى تولد الهلال هو انتقال القمر إلى طور الهلال، فقد أقر هؤلاء الفقهاء بأنه لما كان القمر قد أصبح في طور الهلال قبل بداية اليوم الهجري فهذا يعني أنه من المقبول شرعاً أن يكون اليوم التالي هو أول أيام الشهر الهجري الجديد، إلا أن هذا الاعتقاد ربط بداية الشهر الهجري بطور المحاق وليس طور الهلال! ولهذا فإننا نتمنى من الجهات الفلكية عدم استخدام مصطلح تولد الهلال لما يسببه هذا المصطلح من إرباك، واستخدام مصطلح الاقتران أو المحاق أو الاستسرار.

الإجابة ليست سهلة: 

متى يصبح القمر في طور الهلال؟ لما كان تولد الهلال هو نفسه المحاق، إذاً متى ينتقل القمر من طور المحاق إلى طور الهلال؟

في الحقيقة إن الإجابة عن هذا السؤال ليست كما قد يعتقد البعض فالإجابة عنه تحتاج إلى متخصص في موضوع رصد الأهلة. ولإيضاح ذلك لابد من الإشارة إلى بعض المفاهيم الفلكية التالية. يتم التحري عن الهلال الجديد بعد غروب الشمس وبشكل عام لا يتم التحري عن الهلال قبل غروب الشمس لأن الهلال الذي نبحث عنه نحيل جداً وإضاءته خافته، فالبحث عن مثل هذا الهلال قبل غروب الشمس هو كالبحث عن النجوم وقت الظهيرة! فالنجوم موجودة في السماء دائماً، إلا أن إضاءة الشمس الشديدة تطغى على إضاءة النجوم، فلابد من غروب الشمس أولاً والانتظار مدة زمنية معينة بعد غروب الشمس حتى تبدأ النجوم بالظهور. فعلى سبيل المثال إن النجوم لا تبدأ بالظهور بعد غروب الشمس بخمس دقائق فقط، لأن إضاءة الغسق تكون لا تزال شديدة، فقد نضطر أحياناً إلى الانتظار ساعة بعد غروب الشمس لرؤية النجوم الخافتة. والمثال نفسه ينطبق على الهلال تقريباً، إلا أن الهلال لن يبقى منتظراً في السماء إلى أن تخفت إضاءة الغسق لنتمكن من رؤيته! فالقمر يشرق ويغرب مثل الشمس تقريباً، إلا أن القمر يتأخر غروبه كل يوم بمقدار 50 دقيقة كمعدل، بمعنى أنه إذا غاب القمر اليوم في الساعة السابعة مساء، فإنه سيغيب غداً في الساعة السابعة وخمسين دقيقة تقريباً. إن القمر في اليوم التاسع والعشرين من الشهر القمري قد يغيب قبل الشمس أو معها أو بعدها بفترة لا تتعدى ساعة واحدة بشكل عام، والفترة بين غروب الشمس وغروب القمر تسمى مكث القمر، فإذا تمت رؤية الهلال في الفترة الممتدة بين غروب الشمس وغروب القمر كان اليوم التالي هو أول أيام الشهر الهجري الجديد، أما إذا غرب القمر قبل أن نتمكن من رؤية الهلال فيكون اليوم التالي هو اليوم الثلاثين من الشهر الهجري الحالي.
ساعد في نشر الموضوع عبر:    Facebook Twitter Google+ Stumble Digg
تعليقات فيسبوك
0 تعليقات بلوجر
Disqus