هوة ان رف الإنسان التدوين والتسجيل منذ قديم الأزل، واستخدَّم الحجارة، والأشجار، والمعادن، لهذا الغرض، فازدانت جدران المعابد بأخبار الانتصارات العسكرية وأهم الأحداث، وسُكَّت على العملات أسماء الحكام.
ثم كان أن استحدث الإنسان مادة جديدة للتدوين، هي الورق، دخل بها عصراً جديداً. وقد تباينت المواد المستخدمة في إنتاج الورق باختلاف الأمم والعصور؛ فبدأ الفراعنة باستخدام نبات البردي ( Papyrus )، ومنه اشتق لفظ الورق باللغة الإنجليزية ( Paper)
ثم قام الصينيون بصناعته من عجينة مُشكلَّة من ألياف القنب، ولحاء شجر التوت، والخرق البالية، حيث كانت تخمر، ثم تفرد لتجف، وتستخدم للكتابة عليها.
وبعد الميلاد ظهرت أنواع مختلفة من الورق، فاستخدم الأنجلوساكسون لحاء شجر الزان. أما الرومان والإغريق، فقد استخدموا أنواعاً رقيقة من جلود الماعز وصغار الأبقار في كتابة الصكوك.
وعند وصول الفتح الإسلامي لأواسط آسيا، اتصل المسلمون بالحضارة الصينية، وأخذوا عنها صناعة الورق. فأنشأ المسلمون مصنعاً للورق في سمرقند عام 751.
ومنذ ذلك الحين انتشرت صناعة الورق في ربوع الخلافة الإسلامية، شأنها في ذلك شأن أي صناعة حضارية عرفها المسلمون وطوروها، فأنشأ هارون الرشيد مصنعا للورق في بغداد مستعيناً بالمهرة من عمال تلك الصناعة القادمين من سمرقند. ثم ما لبثت صناعة الورق أن انتشرت وازدهرت فأنشأ المسلمون مصانع للورق في مصر والمغرب العربي.
ولم تعرف أوروبا صناعة الورق إلا على أيدي المسلمين، حيث قاموا بتشييد مصنع للورق بمدينة فالينسيا بالأندلس عام 1100، ثم في مدينة فبريانو بصقلية عام 1276.
ومنهما انتقلت تلك الصناعة إلي باقي أوروبا، فظهرت صناعة الورق في تورين بإيطاليا عام 1348، وعرفتها ألمانيا عام 1391، ثم المملكة المتحدة في القرن الخامس عشر.
وفى نهاية القرن الثامن عشر لاحظ عالم الطبيعة الفرنسي رينيه أنطوان دي ريمور (René Antoine de Réamure ) أن بعض أنواع الدبابير تبني أعشاشها من مادة شبيهة بالورق المقوى، وبتتبع هذه الدبابير، وجد أنها تقوم بالتهام لب الأخشاب، ومضغه، ثم بناء أعشاشها منه، فقام- منذ ذلك الحين- باستبدال لب الأخشاب بالألياف والخرق؛ حيث كان يتم استخلاص لب الأخشاب من أشجار الغابات، ثم يخلط بالماء حتى يصبح عجيناً، ثم يفرد ويجفف فيصير ورقاً ).
ولكي يتم استخلاص اللب من الأشجار لابد من إذابة المادة اللاحمة لألياف الخشب، والمعروفة باسم (اللجنين)، وكانت عملية الإذابة في بادئ الأمر تتم باستخدام حجارة مستديرة ضخمة تشبه الرحى، تُدفع خلالها جذوع الأشجار، ونتيجة للاحتكاك الشديد تنتج حرارة كافية لإذابة اللجنين.
أما الآن فقد أصبحت الحرارة تنتج من عملية تسخين أولي لجذوع الأخشاب، ثم تدفع قطع الخشب بين أقراص دوارة ذات سرعات عالية، فينتج عن ذلك تفتيت الخشب إلى ألياف.
وفي خمسينيات القرن التاسع عشر استطاع الكيميائي الأمريكي بنيامين تلجمان ( Benjamin C. Tilghman ) أن يستخلص اللب بمعالجة مسحوق الخشب بمحلول حمض الكبريتوز تحت البخار الساخن. وفى عام 1883، قام المخترع الألماني كارل دول (Carl Dohl) بإضافة كبريتات الصوديوم إلى الصودا الكاوية في عملية استخلاص لب الأخشاب، الأمر الذي أنتج نوعاً ملائماً لصناعة الورق المقوى الذي اُستخدم في تصنيع صناديق الكرتون والعبوات الورقية المختلفة.
وفي بعض مصانع الورق يتم الجمع بين الطريقتين السابقتين؛ إذ تضاف مواد كيميائية، ثم يدفع الخليط الناتج إلى الأقراص الدوارة لفصل الألياف.
ومع التطور المستمر في صناعة الورق، أصبحت عملية الاستخلاص تتم باستخدام وسائل أكثر تعقيداً، ويتم التحكم فيها باستخدام الحاسوب.
وبعد إتمام عملية الاستخلاص، يُدْخل اللب في عملية التكرير، بواسطة إمراره خلال شرائح دوارة داخل مصفاة التكرير؛ فينتج عن ذلك تحلل جدر خلايا ألياف الخشب، الأمر الذي يؤدي إلى تكوين ألياف أكثر مرونة. وبتكرار هذه العملية عدة مرات يتم الحصول على ورق ذي جودة أعلى. وبعد ذلك يتم غسل اللب، وترشيحه، وتجفيفه، ثم إضافة بعض المواد المبيضة.